الايزيدية - مجلس الاقليات العراقية

اخر الأخبار

الايزيدية

 

زهير كاظم عبود


الفصل الاول


حقيقة الأيزيدية



تعرضت الديانة الأيزيدية الى تساؤلات وتخر صات وتشكيك واتهامات كثيرة ، ومن بين هذه التساؤلات : أن كانت الأيزيدية ديانة سماوية فمن هو نبيها ؟ وأن كانت ديانة نزلت على البشرية فأين كتبها المقدسة ؟ وهل أن النصوص التي وصلت ألينا هي النصوص الصحيحة للأيزيدية أم أنها محرفـة ؟ وهل هم ينكروها أم يلتزمون بها ؟ وأيضا أن أسمها اليزيدية وقد تغير حديثا الى الأيزيدية والزعم بأن هذا التغيير انسجاما مع الطروحات القومية الآرية فأين تكمن حقيقة تسميتهم ؟ وأذا كانت الأيزيدية ديانة قديمة فما علاقـتهم بالمانوية وبالزرادشتية وبالأديان القديمة ؟ وبعد ذلك كيف تعاملت المسيحية معها ؟ ومن ثم كيف نظر إليها الإسـلام وكيف يتم التعامل معها شرعا ؟؟ وما حقيقة الفتاوى التي أصدرها البعض من علماء المسلمين زمن السلطة العثمانية بإباحة دمائهم وقتالهم ؟




وأذا كانت الأيزيدية تنفي علاقتها بيزيد بن معاوية فما سبب تقديس كرسي يزيد ، و ما صحة وحقــيقة القصص والأساطير الخرافية التي يتداولها عامة الأيزيدية حول يزيد ؟ وكيف نفسر تسمية الأضرحة والمقامات المقدسة عند الأيزيديين والمسماة بأسماء إسلامية منها على سبيل المثال ، الشيخ محمود الحنفية والشيخ قضيب البان والست خديجة والسيدة زينب ......... ؟؟ وما هو سبب تسمــية بعضهم بأســـماء أموية مثل معاوية ويزيد ؟؟


وماهي حقيقة تأليههم ليزيد بن معاوية ؟ وما هو سبب كراهيتهم وعدائهم للمسلمين ؟ وأخيرا هل هم عرب أم أكراد ؟؟ وما حقيقة قصـة والد يزيـد معاوية بن أبي سفيان الواردة في بعض الكتب المنقولة عنهم كونه كان حلاقا وماجرى في بقية القصة المعروفة ؟




وهل لم يزل الأيزيدية يقتلون من يسب ( طاووس ملك ) ؟؟ وهل حقا يحرمون لفظ كل كلمة تحتوي على حرف ( ش ) أو يحرمون لفظ كلمة الخس أو الشخاطة أو الشط وغيرها من الكلمات المتداولة في العراق أو في بقية مناطق سكناهم ؟ وهل هم يحرمون مجرد رؤية الخس واللهانة ولحم الغزال والديك وتحريم أكلها ، ولا يدخلون الحمام لقضاء حاجتهم في بيوتهم ؟ وهل تخلو بيوتهم حقا من المرافق الصحية ؟؟ هل أنهم فعلاً يكرهـون باقي الأديان ويحرمون التعامل معهم والاختلاط بهم ؟ وهل هم قوم همج متوحشين لا يفقهون من دنياهم غير حياة الكهوف والجبال والعيش في البراري ومسالك الجبال الوعرة حالهم كحال الحيوانات الشريدة ويمتهنون قطع الطرق وتسليب الناس في القفار ؟ أم أنهم غير ذلك ؟ هل هم قوم يعيشون في مجاهل التاريخ أم أنهم جزء من حضارة هذا الوادي ؟؟ وهل أن أمتدادهم عميق من العصور السحيقة أم أنهم نتاج هرطقات دينية مغلقة ؟




الكثير من الأسئلة التي جاءت نتيجة الانعزال والسرية وتغليف الأسس العامة للعقيدة بالتكتم والانزواء وعدم تمكن الباحث من النفاذ الى البناء الداخلي للمذهب والتمكن من فرز العقائد الحقيقية التي جاء بها الدين من تلك التي أضيفت لهم قسراً أو زوراً ، الكثير من الأسئلة يلاحق المذاهب والأديان الغامضة والمتكتمة على عقائدها بشكل عام والأيزيدية بشكل خاص ، والتي تناثرت القصص الشعبية التراثية والخرافية تتداخل في موروثها الديني الذي لم يكن مكتوباً وأنما محفوظاً في صدور رجال الدين .


البعض من هذه التساؤلات بقصد الاستيضاح وتبسيط الإبهام والغموض والسرية التي غلفت العقيدة الأيزيدية زمنا طويلا وكشفا للشائعات والأساطير التي تكاثرت عليها وعششت في جوانب من حياتها ، وهذا القسم من الأسئـلة يدور في حلقة معرفة الحقيقة التي غيبت زمنا طويلا ، والبعض الآخر من التساؤلات بقصد التشكيك والاتهام والإساءة الى الديانة الأيزيدية والى الشعـب الأيزيدي وتاريخه وقيمه وأعرافه وهذه الحلقة مستمرة لم تتوقف منذ نشوء الأيزيدية وحتى يومنا هذا وتتبناها جهات وأفراد وتأخذ أشكالا مختلفة وتتبدل أساليبها وطروحاتها مع تبـدل الزمان وتغـير الناس والسلطان .




وهذا الشيخ عبد السلام المارد يني مفتي ماردين ومن علماء القرن الثالث عشر الهجري يكـتب كتابه ( تاريخ أم العبر سنة 1258 هـ / 1840 م ) يذكر فيه كون الأيزيدية طائفة من الأكراد ظهرت بالشام في زمن بني أمـــية ، وأن كتابـهم المقدس يدعـى ( الجلو ) ( يقصد الجلوة – الكاتب ) وأن الخمر عندهم حلال !! وكذلك الزنا إذا كان عن تراض !! ويمكنون شيوخهم من زوجاتهم حتى يرزقهم الله أولاداً !! . ونظرة عابرة لما ورد من معلومات كتبها هذا الشيخ تدلل على مدى الدس والافتراء ومخالفة الحقيقة والتجني الذي تواجهه الأيزيدية كديانة وكمجتمع تتحكم فيه قيـم وأعراف وتقاليد ، تكون كل هذه القيم والأعراف عرض الحائط حين يصار الى الكتابة عن الأيزيدية وتصورهم كمجتمع متحلل من القيم وبعيد عن تقاليد المجتمع العراقي بسبب ديانتهم ، ومن يدري لعل الشيخ أستند على أحد من ثقاته فأوقعه في الغش ليضمن هذه الافتراءات على الأيزيدية دون أن يعرفها حقاً ، وهذا السيد عبد الرزاق الحسني يذكر في الصفحة ( 87 ) من كتابه ( اليزيديون في حاضر هم وماضيهم ) أن الأمير أذا طلب أحد النساء بكرا كانت أم ثيب ، عز باء أم متزوجة تحل له بالحال وتحرم على غيره ولو كان بعلها من كبارهم ، وأن اليزيدية تستحق القتل أذا فسقت مع غير اليزيدي ويغفر لها أذا فسقت مع اليزيدي . على أي أساس أستند السيد الحسني ؟ ومن أين استقي هذه المعلومة ؟؟ وكيف جال بتفكيره هذا الأمر وهو أبن المجتمع العراقي ؟ وهو يعرف حقاً أن المجتمع الأيزيدي جزء من هذا المجتمع يلتزم بأعرافه وقيمه وتقاليده ، سيما وأن السيد الحسني يعرف مجتمع الموصل الريفي ومدن الأكراد وأعرافهم من خلال تتبعه حركة الوزارات والسياسة العراقية والمجتمع العراقي ، لكن كل هذا غاب عن باله في بعض الإشارات بكتابه بغياب الحقيقة .




ويستنتج المرحوم سعيد الديوه جي في كتابه كون الأيزيدية من اتباع الأمويين بالنظر لارتدائهم الثياب البيض ، والأبيض شعار الأمويين ، و أنهم يكرهون اللون الأزرق لكونه شعار العباسيين ، والاستنتاج الذي يؤسسه المؤرخ على لون الثياب المبادئ والأهداف يكون استنتاجـا يعوزه الكثير من المنطق .




ما يحز في النفس أن ثمة من يصدق هذا الافتراء والتشويه والدس الرخيص والاستنتاج الضعيف السند لشتى الأسباب ، والقارئ معذور إذ لايجد من يكذب هذه الوقائع أو يدحض هذه الافتراءات أو يحاول إيصال الحقيقة للإطلاع عليـها ، إضافة للثقة التي يوليها القراء لأسماء محترمة ومقبولة من المؤلفين والباحثين في هذا الخصوص ، ويتحمل كل أنسان وزر عمله والقصد من أقواله غير الصحيحة أمام الله أولا وأمام الناس الذين لابد أن سيكتشفون الحقائق مهما طال الزمن ، وقد آن الأوان لتتكشف الحقائق يوما بعد يوم .




لقد طرحت أسئلة كثيرة على أشخاص من غير الأيزيدية من مدينة الموصل ممن لهم ذاكرة قوية وأعمار كبيرة عن سبب هذه الحملات ، وعن أسباب الافتراءات التي يتم إلصاقها بهم ظلما؟؟ ، أجاب أغلبهم أنهم ولدوا وعنصر الحقد وعدم تفهم الحقيقة موجود ويملأ نفوس البعض ، وقد أبدى لي قسم منهم تفهماًً لما توصل إليه من حقائق على ضوء حركة التاريخ الجديدة بعد أن تفتحت لهم أساليب وطرق اكتشاف الحقيقة التي كانت مغيبة بخصوص الأيزيدية الذين كانوا جزء مهم من مجتمع الموصل التزاما وتفاعلاً ومعيشة ، سواء من خلال الاتصال الشخصي بالأيزيدية ولمس الحقائق عنهم ، أو من خلال القراءة ومتابعة الكتـب والمقالات التي تبحث في الشأن الأيزيدي .




وفي لقاء لي في الموصل مع المؤرخ سعيد الديوه جي نفى لي بشدة كل التخرصات والأقاويل التي الصقت بالأيزيدية باستثناء كونهم فرقة منحرفة عن الإسلام غايتها السياسية أعادة الحكم للأمويين والتي يؤمن بهــا في بحثه وكتاباته و هي وجهة نظره التي بقي مصراً عليها .




ويشكك البعض في مسالة التسمية الخاصة بالدين الأيزيدي ويقترن هذا التشكيك بالزعم (( افتقار التسمية للمصدر التاريخي أو الديني أو إلى شهادة واحدة تؤكد هذه الفرضية وأن مجرد وجود الرغبة بإعطاء الأصل الآري لهذه التسمية من أجل تكريد الأيزيدية يضفي على التسمية نوعا من الشك ، ثم يجب الإصرار على تغيير الاسم من اليزيدية الى الأيزيدية ومن يزيدي الى أيزيدي لكي تتطابق التسمـية مع التفسيرات الغربية ( الآرية ) المقدسة !! )) ( راجع مقالة السـيد سلــيم مطر المنشورة بجريدة الزمان العدد 796 في 26/11/2000 ) إضافة إلى جملة من الاتهامات التي تصب جميعها في خانة طمس معالم الحقيقة وزرع بذور التشكيك وكوسيلة من وسائل الطعن بالديانة الأيزيدية وبالشعب الأيزيدي وظلمهم ووضعهم في خانة المتهم على الدوام .




هذا التشكيك يفترض أن الأيزيدية من العرب أولا وليسوا من الأكراد وهذا الافتراض بحد ذاته يعوزه المنطق والمصدر التاريخي والديني والقبول العقلي فهل يعقل أن يولد الدين الأيزيدي عربيا ولكن بلغة كردية ، و أنه موجود منذ القدم في منطقة لا يسكنها سوى الكرد ولم يصلها العرب على امتداد التاريخ الا في العصور المتأخرة ؟ ولماذا لم تتحول الأيزيدية الى المسيحية التي كانت منتشرة في المنطقة ولاتزال الى الوقت الحاضر كنائسها وأديرتها قائمة في المنطقة ؟ مع علمنا بأن الديانة المسيحية كانت قبل الإسـلام وقد سعت جاهدة من خلال البعثات التبشيرية و الحملات التي تقوم بها الأديرة والكنائس والحملات التبشيرية في المنطقة وتأثيرها في الناس الذين يعيشون ضمن منطقة الكنيسة أو الدير ، والى جهود القساوسة والرهبان والمتطوعين من المتدينين في كسب الناس للديانة المسيحية ، إضافة الى التشابه القائم بين الشعب الأيزيدي وسكنة المنطقة من الآشوريين والكلدان في جدائل الشعر وكثافته والشوارب واللحى وحتى الملابس والفلكلور والأعراف . هل من المنطق كل هذا التغييب التاريخي وإغماض العيون عن تأريخ الأيزيدية ؟ هل يقبل التاريخ والحقيقة أن لاتتم مناقشة حقيقة قومية الأيزيدية الا في عصورنا المتأخرة ؟ أين كانت عنهم القومية العربية حتى تصحو الحكومات في هذا الزمان لتنسبهم الى القومية العربية بالرغم من معرفتها بكرديتهم ؟ هل يمكن للكتب المقدسة عند الأيزيدية أن تتجاهل أسم ( يزيد ) إذا كان الزعم اعتبارهم ( يزيد ) مقدسا وآلها ؟ هل يقبل المنطق أن تتم محاربة الأيزيدية على مر العصور محاربة شديدة تستهدف قلعهم من جذورهم دون أن تنكشف حقيقة من حقائق دينهم السري و من وجود حقيقة دينية عربية واحدة تؤكد كونهم من غير الأكراد ؟ هل يعقل أن تأتي الدراسات العلمية المنصفة وتحدد قومية الأيزيدية كشعب وليس كدين كونهم من الأكراد وليسوا من غيرهم أذ يتم الضرب على نغمة القومية دون تطرق لحقائق ديانتهم ووجودهم التاريخي منذ الأزل إضافة إلى ما تحتويه ديانتهم من أسس إيمانية ؟


وأيزيدية العراق لم تبد عليهم فكرة التعصب القومي طيلة فترة وجودهم تحت حكم السلطات العثمانية المستبدة والجاهلة والمتعصبة والتي تدعي الأسلام ، ورغم القسوة التي تحملها الشعب وأنهار الدماء التي سالت واستباحة الحلال والنساء والأطفال الذين ذبحتهم السيوف وقتلتهم البنادق و المدافع وخنقهم الدخان في المغارات وسلبـت إنسانيتهم حياة الكهوف والجبال والعزلة ، وتلبسهم الخوف في كل مفاصل حياتهم فأرضعوا أطفالهم الريبة والرهبة والشك والخشونة والتوجس والسرية والانغلاق دون إعطائهم الفرصة التي يستحقونها في الحياة ، ويصاحب كل هذا ابتعاد عن التعلم بأسم قدسية الدين وتفشي الجهل والأمية والأمراض وتناسيهم من قبل السلطات ، ومع كل هذا لم تصدر عنهم أية فكرة تؤيد تمنيهم الانفصال عن أرض العراق أو خطر ببال رجال دينهم هذه التمنيات ولو على سبيل رد الفعل لحالات القتل و القهر والحرمان والتشريد وعدم الأمان وعدم الاستقرار والتغييب الذي عاشه هذا الشعب المنكوب ، وحتى خلال فترة الحكم الوطني وتأسيس الدولة العراقية مرورا بالعهد الملكي وانتهاءاً بالجمهوريات المتعاقبة ومامر عليهم من نكبات ومآسي وما صاحب تاريخ العراق من أحداث سياسية طاحنة ، لم يكن الأيزيدية جزء مباشر من هذه الأحداث ولا مالوا الى جهة من جهات العمل السياسي ولم تستطع جهة سياسية في العراق أن تتحدث بأسمهم ، بل بقيت الديانة الأيزيدية تستـمد ديمومتها من أيمان معتنقيها وأعتقا دهم الحقيقي بها مع التزامهم بالترتيب الاجتماعي المترابط بالديانة مع ما يجيش في صدورهم من معالم الهوية الوطنية العراقية المشتركة مع أن أكثر ألمهم كونهم تحملوا كل هذا من أبناء وطنهم عربا أو أكرادا بسبب إصرارهم البقاء على دينهم وأخلاصهم لطقوسهم و شعائرهم ورموزهم الدينية .




وتشير خريطة الإحصاءات التي أصدرتها جمعية الجغرافية الملكية قبل الحكم الوطني في العراق والصادرة عام 1910 م من كون جنسيتهم كردية وأنهم قوم من الأكراد باقين على قدمهم وأكثر عاداتهم وتقاليدهم من الكردية ، مما يتطلب منا قدرة متأنية على قراءة علمية لحقيقة القومية بعيداً عن العماء الإيديولوجي والتعصب القومي المقيت .




وفي العصر الحاضر بعد أن توقفت الحملات العسكرية والحروب العسكرية التي شنتها السلطات عليهم ، وبعد أن خف أزيز الرصاص ودوي القنابل ضدهم بدأت حملات أخرى ومن نوع آخر لاتقل خطورة عن الأولى و هي حملات التغييب القومي وتهميشهم وعدم منحهم الفرصة والفسحة التي يستحقونها في تاريخ العراق المعاصر، وبدأت السلطات تبث روح الفرقة بينهم كشعب ، وبينهم وبين المسلمين وتنشر الإشاعات التي تسيء لحقيقتهم محاولة تحريض الناس البسطاء ضدهم وإيجاد محاولات لعزلهم ومحاربة حقوقهم الدينية والقومية والوطنية وتقوم الأجهزة الأمنية وأجهزة المخابرات العامة والخاصة بهذه المهمات إضافة الى المهمة الكبيرة التي تتولاها السلطة الحالية في الأندساس بين صفوفهم ومحاولة التــنكر لقوميتهم ومحاربة الدعوة اليها بأي شكل من الأشكال .




ولهذا السبب تأتي الحملة الشوفينية التي تشنها السلطة العراقية لتغييبهم قوميا وتأجيج روح العداء بينهم وبين المسلمين وتغيير معالم المناطق والقرى التي يسكنونها بإلحاق الكثير من المقاطعات بأقضية ونواحي ومحافظات أخرى بقصد إلحاقهم بمجتمعات عربية ! إضافة الى صدور التوجيهات والتعليمات الى الدوائر المختصة بالامتناع كليا من إصدار هويات الأحوال المدنية للمواليد الجدد ممن يحملون أسماء كردية وأجبار الأيزيدية على تقديم طلبات خطية لتغيير قوميتهم في السجلات الرسمية ، واتخاذ إجراءات تم ترحيل العديد من العوائل الأيزيدية عن مناطق زراعتها وسكنها تحت حجة الضرورة الأمنية أو تخصيص المنطقة لبناء منتجع أو قصر رئاسي ، والعمل على تحويل سفحي جبل سنجار المشهور بزراعته وخصوبته وغزارة إنتاجه الى مناطق خاصة يحظر على المواطن الاقتراب منها وحراستها وترحيل الأيزيدية الساكنين ضمن هذه المساحات . وإصدار الكتب السرية والتوجيهات المركزية التي تدعو للعمل على تعريب المنطقة وتغيير أسماء القرى والقصبات الى أسماء تتوافق مع رغبة السلطة وتنسجم مع طروحاتها المتعصبة بتسمـية المناطق والأحياء بأسماء عربـية لاعلاقة لها بالمنطقة جغرافيا أو تأريخيا .


وفي تصريح أدلى به السيد جميل خضر عبدال الوزير في الحكومة الإقليمية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني لوكالة يونايتد برس انترناشــنال بتاريخ 24/4/2002 نــشر في موقع صفحة ( النهرين ) على الانترنيت حيث قال : ( أن السلطات العراقية تلجأ الى مختلف الطرق لفرض الهوية القومية العربية على الأكراد من الطائفة الأيزيدية الذين يقطنون مدينتي سنجار والشيخان الكرديتين ، والقرى الواقعة على أطراف قضاء تلكيف التابع لمحافظة الموصل ) .




في عام 1975 تم إجلاء عدة قرى من الأيزيدية الساكنين قرب مدينة زاخو وتم إسكان عشائر عربية محلهم ، وقد تم إسكان المئات من العوائل الأيزيدية في مجمعات سكنية أشبه بمعسكرات الاعتقال ، وقد شهـد معسكر ( مهد ) القريب من منطقة الشيخان والذي أختص بالعوائل الأيزيدية الكثير من المآسي والظلم الذي عاناه الإنسان الأيزيدي بسبب قوميته وبسبب دينه ، كما شملت الخطة الأمنية التي نهجتها السلطة في إفراغ القرى الحدودية مع تركيا وأيران وسوريا من السكان والذين كان أغلبهم من الأكراد وكان الأيزيديون يسكنون في العديد من هذه القرى خاصة في مناطق سنجار ، واهتمت السلطة بفتح معسكرات تقوم فيها بتجميع العوائل الأيزيدية وصولا الى تحطيم نفسية الفرد الأيزيدي المرتبط بالزراعة والعمل روحيا والمتعلق أيضا بطقوسه الدينية فحددت حركته وشلت يده عن العمل وهمشت حياته في مجمعات عديدة منها ( مجمع شاريـــا ) ( ومجمع النصـيرية ) ( ومجمع شيخكا ) ( ومجمع مهد ) ( ومجمع جره) وغيرها من القرى التي أقامتها السلطة وأنفقـت على تشييدها خصيصاً لهذه المهمة ، أن المجمعات التي قامت السلطة بإنشائها أشبه ما تكون بمعسكرات الاعتقال أذ يتم تحديد الخروج والدخول أليها من قبل المشمولين بالسكن فيها ، إضافة الى كونها منقطعة عن العالم ومحروسة من قبل الجيش والقوانين المطبقة داخل المجمعات أشبه ما تكون بالأحكام العرفية أو العسكرية ، إضافة الى الحصار النفسي الذي يعانيه الإنسان المحصور داخل سياج مساحة المجمع إضافة الى كونه بلا عمل وبلا حرية وما تنعكس عليه سلبيا المشاكل اليومية التي تحدث داخل المجمع والانتهاكات الحاصلة والخرق الفاضح لحق الإنسان وحرمانه من أبسط الحقوق ، مما أدى الى حدوث عدة حالات من الانتحار أو الجنون أو الهروب تخلصاً من مأساة الحياة داخل هذه المعسكرات .


ولا يخفى على أحد الإشاعة التي بثتها السلطة عند تقدم الجيش لاستعادة المناطق التي حررتها الانتفاضة في شعبان عام 1411 هـ في مناطق الفرات الأوسط والجنوب حينما أشاعت أن الأيزيديين قادمون لقتل أبناء الشيـعة وسبي عوائلهم وانتهاك حرماتهم ومقدسا تهم ، وقد انتشرت الإشاعة المذكورة بسرعة وعمت المنطقة ، وقد تداولها الناس بخوف شديد مقترن بالإشاعات التي يعتقد بها البسطاء والسذج من الناس والتي تزعم كراهية الأيزيدية للشيعة في العراق ، ورغم عدم صحة الإشاعة كان الأيزيدية بنفس الوقت يقاتلون السلطة لتحرير أراضيهم في كردسـتان العراق من سيطرتها ، وهم من هذه الإشاعة براء ، وقد سخروا جداً منــها وبمرارة حين تحدثت بها اليهم .


وليس بعيدا القرار الذي اتخذته السلطة عام 1991 بأستملاك الأراضي الزراعية الخاصة بالأيزيدية والشبك الواقعة جنوب قصبة بعشيقة في منطقة ياريمه وقرية الدراويش وأبو جربوعة بحجة مد شبكة المجاري والأنابيب الخاصة بمجمع مياه الشرب للمنطقة ، وهو مشروع وهمي تبين عدم حقيقته بعد ذلك حيث تم إسكان عدد من العشائر العربية التي فشلت في التأقلم مع أجواء ومحيط المنطقة ، وقد كررت السلطة مثل هذا المشروع في عام 1998في المنطقة إضافة الى استملاك أراض كثيرة في القرى المجاورة لمنطقة بحزاني التي يسكنها الأيزيديون ومازالت المشاريع والمخططات التي تستهدف التغيير القومي للأيزيديين لأغراض سياسية وعقليات شوفينية متعصبة لامجال خلالها لفـكرة الوطـن والتسامح والعــيش المشـترك التي كان يحياها ويعيشها العراقي قبل ذاك .


ومن المحزن أن تنطلي اللعبة على بعض الكتاب والمثقفين فينجروا مع سيل المطالبة بعروبة الأيزيدية والاعتقاد بصحة الطروحات البعيدة عن الواقع التي تطرحها السلطة لغايات سياسية لاتغيب عن بال المتابع والمطالع الذكي .




تشكل التسمية الحقيقية والمتعارف عليها بشكلها العام لدى العامة من أهل العراق وبعض من كتبوا عنهم أشكالا وتسـاؤلا والتباســا بين حقـيقة الأمر في أصـل التسمية بـين اليزيدية والأيـزيدية مما ولد التباسا لدى البعض .




والتسمية الأولى أي (( اليزيدية )) تتمحور في محاولة البعض نسبتهم ظلما أو جهلا إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي والزعم كونهم يؤلهون يزيد واعتقادهم بإمامته وكونهم فرقة مسلمة انشقت عن الإسلام وانحرفت عنه فأصبـحوا من المرتدين عن الإسلام ، وأنهم يقدسون البيت الأموي ويسعون لاستعادة السلطة له ، وأنهم مغالين في حب يزيد بن معاوية حتى وصل الغلو في اعتقادهم كونه هو الإله مثلما ذكر السيد عبد الرزاق الحسني بكتابه ( ص 20 ) وكذلك السيد عباس العزاوي ( ص 13 ) وجورج حبيب (ص 5) وسعيد الديوه جي ( ص 9-11) .


أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن مناف وأمه ميسون أبنة بحدل بن قنافة وكنيته أبو خالد ، وقد ولد سنة 25 هـ ، و خلف أباه في الحكم بعد وفاته عام ( 60 هـ ) بالصيغة الوراثية التي أرادها معاوية بن أبي سفيان مخالفا بذلك السنة التي درج عليها العرب والتي أمر بها الدين الإسلامي اعتمدتها الخلافة الأولى باعتماد مبدأ الشورى في الاختيار .




يعد يزيد بن معاوية الخليفة الثاني من الخلفاء الأمويين وتخللت الفترة التي قضاها في السلطة ثورات وعصيان وتمرد زعزع أوتاد سلطته وقتل الكثير من العرب وسالت الكثير من الدماء وانتهكت الكثير من الأعراف والقيم ، في حين كان يزيد بن معاوية لاهياً في الشعر والخــمر والغواني والغلمـان طيلة فـترة حكمه البالغــة ثلاث سنوات ونصف الممتدة من (60 – 64 هـ ) ومات بحوارين من أرض حمص بالشام في شهر ربيع الأول من العام ( 64 هـ ) وليس له قبر معروف اليوم ، وكان آدم جعداً أحور العين بوجهه أثار جدري ولم يذكر التاريخ ولا الوقائع والسير ولاأي كاتب عربي أو أجنبي كون الخليفة المذكور قد أسس ديانة أو مذهب أو طريقة أو تفقه في الدين أو تبحر أو تمسك بالدين بشعائر وأسس الدين الإسلامي بل العكس من ذلك فأن ما يذكره التاريخ ابتعاده عن الكثير من أسس الدين الإسلامي ومخالفته لكثير من قواعده وارتكابه الكثير من المعاصي والمخالفات بالرغم من مركزه السياسي والديني كونه خليفة المسلمين وأميرهم ، و أن مسألة بناء الاعتقاد على تسمية ( اليزيدية ) نسبة الى ( يزيد ) تفتقر الى الربط المنطقي والسياق التاريخي والبرهان المؤكد على التسمية مع أن فرق إسلامية موجودة الى يومنـا هذا تحترم أسـم الخليفة ( يزيد بن معاوية ) وتذكره بشيء من التوقير والتبجيل وترفض الحط من منزلته أو لعنه ، وفرق أخرى تحتفل فرحاً بيوم العاشر من شهر محرم انسجاما مع قيام جيش يزيد بن معاوية بقتل الأمام الحسين بن علي ( ع ) وأصحابه وسبي أهل بيته ، ومازالوا يبررون عملية القتل حتى في هذا الزمان بمسألة حفظ الأمة الإسلامية التي يزعمون أن الأمام الحسين ( ع ) كان يريد تفريقها ويطالب بالخلافة بغير حق وهو رأي غير حقيقي وغير منصف ، كما أن الكثير من أهل الشام لازالوا يحتفلون ويسمون يوم العاشـر من محرم من كل عام ( عيد الظفر ) يحتفلون به ويتبادلون التهاني و يتظاهرون بالفرح ، ويقول المقريزي في الجزء الثاني من كتابه الخطط والمواعظ والاعتبار بأن الحجاج بن يوسف الثقفي أول من أمـر بهذا الاحتفال ، ويقول زكريا القز ويني في كتابه ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ) أن أهل الشام يحتفلون في اليوم الأول من شهر صفر من كل عام بمقدم رأس الحسين ( ع ) مرفوعاً على الرمح وأدخل الجامع الكبير بدمشق ، في حين لازال الأيزيدية يظهرون مظاهر الحزن والأسى ومظاهر الحسرة ولا تظهر منهم مظاهر البهجة والسرور في يوم ( 10 محرم ) من كل عام لذكرى هذا اليوم الأليم توافقا وانسجاما مع المسلمين الشيعة بكافة طوائفهم وفرقهم وغيرهم من المسلمين الذين يعدون اليوم المذكور من أيام الإسلام الحزينة التي زادت الأمة افتراقا وتحزباً ويسمونها ( أيام عاشوراء – وهي الأيام العشرة الأولى من شهر محرم ) ، وليس أكثر دلالة على مدى الانسجام والتآلف الذي تعيشه القرى الأيزيدية مع قرى الشبك وهم من الشيعة ومن محبي آل البيت دون أن يذكر التاريخ البعيد أو القريب وجود تصادم أو احتكاك أو اختلاف ديني أو تدخل في الطقوس أو تعارض أو عدم احترام شعائر الأديان المختلفة في المنطقة ، وهذه الظاهرة المغيبة تعني بالنتيجة أن الأيزيديين لا يتوافقون مع سيرة الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وأعطاء الأوامر بارتكاب جريمة قتل الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب وسبي عياله واستعراض رؤوس الحسين وأصحابة وإرسالها مرفوعة فوق الرماح من مدينة كر بلاء وسط العراق وعرضها في مقر الخلافة الأموية في الجامع الكبير بدمشق ، إضافة الى الانسجام الديني والتعايش السلمي بين الأيزيدية وبين باقي الأديان مما يدلل عدم صحة التقولات التي تقول بالعداء الذي يكنه الأيزيديون لباقي الأديان وبالعكس فأن ما تدعو أليه الديانة الأيزيدية هو احترام من يحترم ديانتها وطقوسها ولا تتدخل مطلقا في طقوس بقية الأديان والمذاهب في المنطقة ولافي موروثهم الديني والشعبي ، كما يوصي رجال دينهم ويحذر من مغبة الحـط أو الاستخفاف بباقي الأديان السماوية في المنطقة ، غير أني لاأنفي القصص الموضوعة من قبل بعض الأيزيدية تحت شتى التأثيرات والتي ساهمت بشكل أو بآخر في تكريس صدقية هذه التقولات والقصص ، غير أن هذه القصص لاتدخل ضمن أسس العقيدة الأيزيدية وأنما تدخل في باب الميثولوجيا الأيزيدية حالها حال الكثير من الأديان والمذاهب التي دخلتها هذه القصص من خلال الحكايات الشعبـية والموروث الشعبي والميثولوجيا الخاصة بكل شعب .




وأما بالنسبة للتسميات التي يسميها الأيزيدية وهذه ليست قياسا يقاس عليه ولا أساسا يتم البناء التاريخي عليه فلديهم من الأسماء المسلمة الكثير الكثير من علي وحسن وعمر وعباس وحسين وما الى ذلك من الأسماء التي لا يذكرها أحد حين يراد تبرير تسميتهم بأسماء لها علاقة بأسماء الأمويين أمثال معاوية ويزيد حتى أن الكثير من أمرائهم من تسمى بأسم علي وحسن وحسين وهي أسماء تدل على عدم تعصبهم للأمويين حتما أذا أتفقنا على مسالة الأسـماء ودلالاتها والتعصب في التسمية من خلالها ، فحسن بن جولو بك وحسن بن عبدي بك وحسين بن علي بك وحمزة بن علي بك وحسن بن حسين بك وعلي بن حسين بك وحسين بن هادي بك وحسين بن نايف بك وعلي حفيد نايف بك وغيرهم ، كما أن أسم كريفي الأيزيدي الأستاذ عمر خضر حمكو الساكن منطقة بحزاني بناحية بعشيقة في الموصل دليل أخر ، وقد وجدت الكثير من عامة الشعب الأيزيدي من يذكر (علي شير ) ويعني بها علي الأسد كناية عن شجاعة وأقدام الأمام علي بن أبي طالب إضافة الى عدم المـس بالأئمة وأهل البيت مطلقا بأي شكل من الأشكال ، مما ينفي مسألة العداء المنسوبة لهم ظلما وزورا . .




غير أن أصل أمراء الأيزيدية من السلالة العربية الأموية القرشية لا خلاف فيه ويتفق عليه جميع الكتاب والمهتمين بقضايا الأنساب ، إذ يرجعون الى سلالة الشيخ حسن العدوي أو الى سلالة الشيخ أبي بكر وكلاهما من العرب الأمويين ، ولكن قيام البعض بسحب هذه الأصـول وتلبيسها لعموم الشـعب الأيزيدي تجافيه الحقيقة ويجانبه الصواب ويتخلله خلط مقصود في الأنساب والغرض منه معروف .




أن مدينة الموصل بقيت موالية للبيت الأموي رغم سقوط الخلافة الأموية وقد أنتقمت السلطة العباسية من المدينة انتقاما شديدا في سنة 133هـ وقد بقي الموصليون يحبون بنو أمية رغم هـذا وحينما حكم العقيلـيون مدينة الموصل ، حاولوا نشر التشيع بينهم في سنة ( 401هـ ) ، فلم ينجحوا بالنظر لمقاومتهم نفسياً وروحيا وأنشدا دهم نحو حب البيت الأموي مثلما بقي أهل الشام يحبون الأمويين ويجلوهم ويذكرونهم بشيء من التوقير والتقدير ، ورغم كل هذا لم يتوافق أو يتطابق الأيزيدية معهم كديانة لاعلاقة لها بالبيت الأموي ، سوى أن سلالة الشيـخ عدي من الأمويين ، في حين أنتشرت الإشاعات الدينية والسياسية تقول بحب الأيزيدية للأمويين وكراهيتها للبيت العلوي وطمس الحقيقة عن الأقوام العربية والإسلامية لقصد سياسي وديني طائفي وقومي لا يفوت على اللبيب المطلع جيداً على خارطة الوضع الأيزيدي .




إضافة الى ما ذكرته كتب التاريخ من تولي حكم الموصل من قبل ( بدر الدين لؤلؤ ) وهو من دهـاة عصره ( 631- 657 هـ ) ( 1233- 1258 م ) وكان قد ألتزم بمذهب من مذاهب الشيعة ، وقد نشر التشيع في الموصل وقام ببناء مشاهد وقبور لأبن الحنفية وللأمام عبد الرحمن وللأمام المحسن ومقاماً للأمام الباهر ومشهد الأمام يحيى بن القاسم المطل على دجلة ومشهد الأمام عون الدين بن الحسـن ، وقد وظف سلطته من أجل نشر الدعوة الدينية ، وعمل من أجل تجنيد الأتباع والأنصار ، وأظهر كل مظاهر الشيعة في مدينة الموصل ، ولما لم يجد التوافق والانسـياق مع دعوته من قبل الأيزيدية ، قام باضطهادهم وتضييق الخناق عليهم ثم قــام بحبس الشيخ حسن ( الشيخ شمس الدين حسن بن الشيخ أبي المفاخر عدي بن أبي البركات بن صخر بن مســافر الأموي ) ( 581 – 644 هـ ) ( 1184- 1246 م ) وقام بقتله خنقاً أثناء حبسه ، اعتقادا منه أن ذلك سينهي دينهم ويحجم دعوتهم في نفوس العامة من الأيزيدية .




هذا من جانب ومن جانب آخر لانجد في الترانيم الدينية ولافي المواعظ التي يغنيها القوالون ولافي أناشيد العامة ما يفيد تأليه يزيد بن معاوية أضف الى ذلك خلو جميع ما نقل عن الكتـب المقدسة للديانة الأيزيدية ، ( مصحف رش أو الجلوة ) من أسم يزيد بن معاوية مما يؤكد بما لا يقبل الشك أن الأمر تم بناءه أما على أساس الاستنتاج من خلال التسميات أو ما ورد في الموروث الشعبي أي ما درج عليه العامة من تداول قصص وأساطير ليس لها أساس تأريخي وتعارضها الحقيقة والواقع وهذا الأمر موجود بين الكثير من الطوائف والملل ، وهذا لا يصلح كسند تاريخي لدعم التسمية وأن الزعم الذي أورده أبن تيميه غير صحيح وبعيد عن الحقيقة وكذلك ما أورده الأمام محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل كونهم من أتباع يزيد بن أنيسة الخارجي وأنهم فرقة خارجة عن الإسلام غير صحيح أيضاً ويفتقر للسند التاريخي والأمور التي أوردها تتناقض مع ما ورد من حقائق كتب التاريخ والسير أضافه إلى الاختلاف العميق بين أسس الديانة الأيزيدية وبين المبادئ التي نادى بها يزيد بن أنيسة والخوارج بشكل عام والتي تدخل في باب الاجتهاد والاختلاف الفرعي في الإسلام في حين تختلف اعتقادات الأيزيدية عن الإسلام في الحلول والتناسخ وتقديس الشمس والنار والخليقة وأركان الدين وكل هذه الأمور تبين الفرق الواضح بين فرق الخوارج وبين الأيزيدية الذي لايمكن أن يكونوا منهم بأي حال من الأحوال .




كما أن ما أورده الشهرستاني في الصفحة 136 من كتابه الملل والنحل – طبعة دار الفكر في بيروت كون اليزيدية هم أصحاب يزيد بن أنيسة ، أذ لاعلاقة للأيزيدية بفرقة يزيد بن أنيسة الذي زعم أن الله سيبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء جملة واحدة وزعم أن ملة ذلك النبي هي الصابئة وهذه غير الصابئة التي عليها الناس اليوم ، والشهرستاني يشير الى خروج يزيد بن أنيسة على الأمام علي بن أبي طالب وقـاد فرقة مسلمة من فرق الخوارج وقال بتولي المحكمة الأولى قبل أن يتولى الأزارقة ثم تركهم وتولى الأباضية التي تبرأت منه أيضا ً ، وهو بالتالي لاعلاقة له من بعيد أو قريب بديانة الأيزيدية ولا يرتبط بأية علاقة بالمذهب الأيزيدي الذي يقوم على أسس تتناقض مع مذهب وفرقة يزيد بن أنيسة الذي بقي مسلما لكنه خرج على الأمام علي بن أبي طالب ( ع ) لأسباب سياسية تتعلق بمسألة التحكيم والهدنة وقبول حكم القرآن الذي آل الى الخدعة المعروفة قبل حرب الأمام علي ومعاوية بن أبي سفيان وكل هذا الأمر لاعلاقة له بالمذاهب ، ولاعلاقة له بالديانة الأيزيدية مطلقاً وبأي شكل من الأشكال .




والحقيقة الثابتة التي تؤيدها كل شواهد التاريخ القديم في منطقة ميزوبوتاميا والشـرق كون الأيزيدية من الديانات القديمة الموغلة بالقدم ، وحقاً أن الأيزيدية الحالية هي بقايا ذلك الدين القديم والموغل بالقدم مثلما تشير أحداث ووقائع التاريخ .




غير أن أكثر ما يلفت النظر هو حجم المأساة التي أنصبت على هذه الديانة وأتباعها منذ العهود الغابرة ، و خلالها تكاتفت كل القوى في المنطقة لمحاربة الأيزيدية بشتى السبل والأساليب وتحت العديد من الذرائع والأسباب ، وقد استطاعت هذه القوى أن تتمكن من تحجيم قدرة شيوخ ومراجع هذا الدين في الوعي الفلسفي لديانتهم ، وعدم تمكنهم من حرية ممارسة الطقوس الدينية وباقي الأمور التي تستلزمها ديانتهم وساعدهم بذلك انغلاق العقيدة الأيزيدية ، مثلما استطاعت هذه القوى أن توهم الشعوب في المنطقة بأن هذه الديانة ماهي الا بدعة أو هرطقة دينية مرفوضة وماهي الا ظاهرة حديثة من الضروري محاربتها ووأدها في مكانها ، وفعلاً تمكنت من تجييش الناس ضدها ومحاربتها وأمعنت في القتل والذبح وممارسة كل أساليب الموت والتخريب ضد معتنقيها بالقوة ، وتضافرت جهود كثيرة على ذلك إذ لم يقتصر الأمر على السلطات ولاعلى العسكر ولاعلى البعض من رجال الدين ، بل أمتد الأمر ليشمل فئات أخرى ، فتجاهلها المؤرخون وأهملها الباحثون وغض النظر عن ذكرها الكتاب ، حتى أصبحت من الألغاز والأساطير التي تحتمل الكثير من الدس والافتراء ، لابل ساهم العديد منهم في تكريس هذا الدس والافتراء دون تدقيق أو تمحيص أو تقليب أو حتى مخالفة حقيقة واحدة من التي ذكرها قبله من الكتاب .


كانوا يقولون أن الأيزيدية ضد الأسلام فتبين أنها ليست كذلك .


كانوا يقولون أن الأيزيدية ضد الشيعة فتبين غير ذلك .


كانوا يقولون أنها حركة سياسية بغطاء ديني لأعادة السلطة الى البيت الأموي فتبين عدم صحة ذلك .


وكانوا يقولون أنها ديانـة موضوعة حديثا وأنها طائفة خرجت على الإسلام فتبين غير ذلك .


وكانوا يقولون أنهم يقدسون آله الشر ويعبدونه فتبين أنهم يعبدون الله ويوحدونه .


ثمة حقائق كثيرة ستتضح وتتبين بعد هذه الفترات المظلمة في حياة الأيزيدية ، حقائق ستبين أساس الميثولوجيا الخاصة بهم وطقوسهم الخالصة من الشوائب والأمور التي دخلتها أو التي أدخلت عليها ، لشتى الأسباب من خلال أعادة قراءة التاريخ في المنطقة بشكل خالي من التحيز ومتابعة المراحل التاريخية التي سبقت مجيء الشيخ عدي بن مسافر ، باعتبار أن الكثير من الروايات والأخبار تتعرض الى ذلك وفق الرغبات والميول والعصبيات التي تسيطر على الكاتب ، والمتابع للتاريخ سيلاحظ الغياب الطويل للشعب الأيزيدي عن مسرح الأحداث مع أنه كان يعيش وسط المطحنة ووسط منطقة مهمة وغير مستقرة طبيعيا ، إلا أن التغييب كان يتطلب هذا التجاهل والاهتمام بأمور ليس لها من الأهمية لصرف النظر عن القضية المهمة ، وهي من الفترات المهمة في حياة وتأريخ الأيزيدية ، ستبين الدراسات والتصورات الأولية والتحليلات التاريخية الكثير من الاستنتاجات والآراء وصولا الى استجلاء الحقيقة التي لابد لها أن تظهر ساطعة ويعم نورها على الجميع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق