الارمن - مجلس الاقليات العراقية

اخر الأخبار

الارمن

 

 الارمن


 يؤكد الكثير من المؤرخين إن الأرمن كقومية يرجع تأريخهم الى 465 ق.م. ويعتقد إنهم إستوطنوا آسيا الصغرى قبل إنهيار إمبراطورية الحيثيين بعد ان ذاقوا مرارة الإستعباد تحت حكم الملك سباكزار ملك ميديا، الذي غزا نينوى وإحتلها ثم بسط سيطرته على أرمينيا..

وبعد ان حرر الملك تريناد أرمينيا من أنصار الوثنية.. دعا مجلس الأشراف الى إنتخاب غريغوار رئيسا أعلى للكنيسة الكاثوليكية في أرمينيا بعد ان كرسه (بطريك) قيصرية أسقفا عليها.. وفي عام 302م أعلن الملك تريناد الثالث، المسيحية دينا للدولة..

وكانت مدينة سيرت أول مدينة بارمينيا عرفت المسيحية قبل العهد وقد أدخلها اليها إثنان من تلاميذ السيد المسيح (ع) .. كما كان هناك عدة مراكز أخرى للمسيحية في عام 200 بعد الميلاد.. وفي هذا القرن كان جميع الأرمن قد إعتنقوا الدين المسيحي لما لمسوا فيه من تسامح يوحي لهم بالقوة والشجاعة الكفيلتين بدوام العيش لهم في بحبوحة وهناء..

بعد إعتناق غريغوار الدين المسيحي بادر الى انشاء كنيسة جامعة في مدينة ايستمياديزين التي كانت تعتبر أكبر مدينة في أرمينيا على الإطلاق.. وكذلك كان غريغوار هو الذي وضع نظام الكهنوت للأرمن وبشر بالإنجيل في مقاطعة ابيريا (جيورجيا).. وأخيرا إعتزل وإنصرف بكليته للعبادة في مغارة كائنة في جبل سيبوه حتى وافاه الاجل المحتوم عام 300 للميلاد.. وقد أصبح غريغوار يعرف فيما بعد بالقديس غريغوار الطاهر.. وظل ذكره على شفاه سائر الأرمن..

كما انهم أطلقوا إسمه على الكنيسة الأرمنية المعروفة بإسم الكنيسة الغريغوارية.. وبعد وفاته عام 300 للميلاد، شهدت أرمينيا قرنا كاملا عمت فيه الحروب والفوضى جميع أرجائها..

ورغم الحروب والاضطهاد والمذابح الكثيرة التي تعرض لها الأرمن منذ القرون الوسطى.. لم تتوان أرمينيا عن العمل لإستعادة مركزها وتوطيد كيانها.. وإستطاعت بفضل خبرة شعبها التي إكتسبها على مر الزمن، ان تجمع تلك القوى للعمل متضافرة حتى اوصلتها الى قمة المجد والعظمة كما بين تأريخها الحافل الطويل.. هذا ما يقوله تأريخ أرمينيا القديمة.. أما عن تاريخ الأرمن في العراق.. والأفكار الأساسية لديهم.. وأسئلة أخرى.. فقد طرحناها على الاب غريغوري ناريك إشخانيان راعي كنيسة الأرمن في بغداد.

*تأريخ الأرمن من أين يبدأ.. ومتى دخلوا العراق..؟

ينتمي الأرمن الى العرق الأري (الهند - اوروبي) وقد ظهروا في التأريخ في الألف الثالث ق.م حسب الدراسات اللغوية والآثارية الحديثة وهناك عدة روايات لوجود الأرمن في العراق، فقد كتب المؤرخ الأرمني موفسيس خوريناتسي (ق 5 م) عن وجود الأرمن في العراق إستنادا الى المصادر التي اطلع عليها في الألفين الثاني والاول قبل الميلاد. اما المؤرخ اليوناني هيرودوتس (ق 5 م) فيذكر عن علاقات أرمينيا والعراق القديمة حيث إن الأرمن كانوا ينقلون بمراكبهم البضائع الى بابل عبر نهر الفرات، ومن خلال هذه التجارة استقر العديد منهم في بابل وكونوا جالية أرمنية فيها.

مصادر أخرى تشير الى وجود أبرشية أرمنية في شمالي العراق في أواخر ق10 للميلاد وفي البصرة أيضا عام 1222م. وتشير المصادر أيضا الى وجود طائفة أرمنية في بغداد لها رئيس روحي عام 1354م.

*لماذا المجازر في حق الأرمن دون غيرهم من الطوائف المسيحية..؟

نظرا للموقع الجغرافي لأرمينيا، إذ ينحصر بين دولتين أتاتوركيتين همجيتين (تركيا وأذربيجان). جعل أمبراطور الدولة العثمانية (ق19-ق20) ان يبني دولة بإسم الطورانية. والوسيلة الأفضل كانت بمحو الأرمن من الأرض التركية، سد الاتاتوركية محلها. فقد قام هؤلاء الأرهابيون باعداد مجازر في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20. وأكبرها كان عام 1915م وفيها تم قتل وإبادة أكثر من مليون ونصف أرمني عدا الذين تم تهجيرهم خارج أراضيهم.

*ما الأفكار الدينية الأساسية لدى الارمن..؟ وهل هناك إنجيل بعينه يعتمده الأرمن..؟

لا نستطيع ان نقول أفكارا، بل عقيدة..

فالعقيدة الدينية الأساسية لدى الأرمن هي المسيحية التي أنتشرت منذ القرن الاول للميلاد على ايدي رسل يسوع المسيح (القديسان تداوس وبرثملادس) وأصبحت الديانة الرسمية للدولة (ارمينيا) عام 301 للميلاد على يد القديس كريكور المنور وملك الأرمن درتاد الثالث.

هناك إنجيل يدعى بالإنجيل الأرمني، وهو إنجيل منحول كونه لا ينطبق مع

القوانين الكنيسية في اعداد لائحة اسفار العهد الجديد. إذ ان الكنيسة الارمنية الرسولية المقدسة اعتمدت الى طبع (نسله- الاخر ) رقم 26 الطبعة رقم 3 حالها حال بقية الكنائس العالمية في لائحة أسفار العهد الجديد.

*ما السبل المعتمدة للدرجات الدينية عند طائفة الأرمن..؟ وكيف الوصول الى درجة مطران..؟

نستطيع القول ان الرتب الكنيسية الموجودة في الكنيسة الأرمنية الرسولية هي 9 رتب كنيسية:

الرتب الاربعة الاولى يطلق عليها رتبة القارئ.

الرتبة الخامسة شماس رسائلي.

الرتبة السادسة شماس إنجيلي.

الرتبة السابعة رتبة الكهنوت.

الرتبة الثامنة رتبة الأسقفية (المطران).

الرتبة التاسعة رتبة الجاثليق (رئيس الكنيسة الأرمنية الرسولية المقدسة).

*كيفية الوصول الى درجة مطران

خلال مرحلة الإعداد اللاهوتي يحصل الطالب على رتبة قارئ ثم شماس رسائلي وفي السنة الاخيرة شماس إنجيلي. يخير بين الزواج أو البتولية مع تقديم مشروع البحث لغرض الحصول على رتب الكهنوت.

المتزوج يكتفي بالرتبة السابعة فقط. اما البتول فيستمر بالحصول على الرتب البقية، حيث يبدأ بتقديم مشروع الماجستير في اللاهوت ثم مشروع الدكتوراه على ان يكون مؤهلا من قبل أعضاء الكنيسة للحصول على رتبة الأسقفية (المطران).

يتم تعيين الاساقفة على الجاليات الأرمنية في دول خارج أرمينيا بترشيح من قبل اللجنة المركزية لتلك الجالية وبتاييد الجاثليق يتم ترشيحه على الجالية كرئيس روحاني. مثل المطران الدكتور افاك اسادوريان الذي هو الرئيس الروحاني للجالية الأرمنية في العراق.

*هل هناك مدارس في اللاهوت المسيحي..؟ وما الدروس المعتمدة فيها..؟

نعم هناك مدارس في اللاهوت المسيحي لكنيسة الأرمن.

ففي أرمينيا توجد 3 كليات للاهوت المسيحي ومعهد للاهوت العام.

في انطلياس (لبنان) وفي الولايات المتحدة توجد ايضا معاهد اللاهوت المسيحي الدروس المعتمدة هي:

اللاهوت وفروعه، الفلسفة، التاريخ (كنيسي أرمني، وعام غير كنيسي)، اللغات الارمنية القديمة والحديثة، العبدانية، اليونانية، الانكليزية، العربية وغيرها..)، الطقوس الكنيسية، الموسيقى والغناء (التراتيل الكنيسة).

*كيف تنظرون الى مفهوم التعايش وحوار الحضارات..؟

- الشعب الأرمني شعب ذو تأريخ وحضارة عريقة.. وهو يعيش منذ قرون جنبا الى جنب مع الشعب العربي.. وقد عاش في العراق البلد الحبيب ضمن أطياف ملونة متعددة.. وطاله الأرهاب مثلما طال الكثير من الطوائف والأديان في العراق.. وهذا لا يثنيه عن التمسك بمفهوم التعايش والاخوة..

والعراق بتركيبته الدينية والأثنية.. تجسيد لمفهوم حوار الحضارات.


وينقسم الارمن في العراق الى قسمين، وحسب تاريخ هجرتهم الحديثة (حيث كانوا ينتشرون في تركيا وايران والاتحاد السوفيتي) واستقرو في العراق:


1- أرمن بغداد الذين جاء بهم شاه عباس (البهلوي-الدولة الصفوية ) عن طريق البصرة واستقروا في بغداد في القرن السابع عشر للمساعدة على تطوير المدن الايرانية حيث كانوا تجارا وفنانين وحرفيين ماهرين،وهم يسمون بالارمن التجار.


2- الأرمن الذين فروا من تركيا على اثر المذابح التي تعرضوا لها في بداية القرن الماضي من قبل الزعيم التركى كمال اتاتورك واستقروا في بغداد والموصل والبصرة.


وأشاد الاب ناريك" بدور عرب العراق في استقبالهم وحمايتهم وتوفير سبل المعيشة لهم."


وتعرض الأرمن في تاريخهم للعديد من المذابح إمتدت مابين القرن التاسع عشر والعشرين وجميعها تمت في تركيا، الا أن اشهرها مذبحة عام 1915 في تركيا والتي تم فيها قتل وذبح وتشريد وتهجير ما يقارب المليون والنصف أرمني".


وتواجه تركيا الان مشكلة الاعتراف بعمليات الإبادة التي قامت بها ضد الارمن، وهو ماترفضه تركيا تماما لكونها تخشى أن يؤدي اعترافها بذلك ان يطالبها المجتمع الدولي بدفع تعويضات او إعادة الاراضي الخاصة بالارمن، والتي هي الان ضمن الحدود التركية، ويعد هذا احدى شروط انضمامها للاتحاد الاوربي.


وللارمن لغة خاصة بهم لكنها كانت لغة محكية فقط دون حروف، وتعود في اصولها الى الآرامية على حد قول الاب ناريك، اما الحروف فقد وجدت عام 403 ميلادية من قبل الاب (مسروب ماشتوت)الذي قام ببحث في بلاد الرافدين ووادي النيل لايجاد الحروف ألابجدية عدا حروف العلة .


اما حروف العلة فيعتقد الارمن "ان الله هو من قام بخطها بيده لهم." وهو إعتقاد مشابه لكتابة الله الوصايا العشر على الالواح للنبي موسى.


لكنهم الان يستخدمون (اللغة الارمنية الحديثة) التى هى في اصولها لغة هندوأوربية . كذلك نجد أن اسماءهم مميزة، فما ان نسمع إسم ( اشخين ، ساركسيان ، رازميك... ألخ ) حتى نعرف ان صاحب الاسم أرمني.


وتميز الأرمن منذ ايام النظام السابق فى العراق بانه كان يسمح لهم بتدريس مادتين باللغة الارمنية، أضافة الى الدين المسيحي باللغة الارمنية في المدارس الحكومية، كمدرسة الظفار الابتدائية (عام 1845 ) وابن الهيثم الثانوية، وروضة خمائل في بغداد، لكن هذه المدارس كانت بالاصل مدارس خاصة للارمن وتم تأميمها عام 1974 على اثر قرارات التاميم التي اصدرها حزب البعث المنحل في العراق بعد تسلمه السلطة عام 1968.


والآن هناك مدرسة جديدة خاصة بالارمن تبنى في بغداد .


وكان للارمن 13 كنيسة في العراق، إثنان منها دمرتا لقدمهما ، وأشهر تلك الكنائس هي (كنيسة مريم العذراء) في الميدان (بغداد) والتي تعد كمزار يؤمها العراقييون من كل الاديان ويعود تاريخ بنائها الى عام 1639 ميلادية ،ويزورها فى الاغلب نساء متزوجات من الديانتين المسيحية والاسلامية للطلب من مريم العذراء ان تتشفع لهم وترزقهم بالابناء.


وكانت هناك كنيسة جديدة للارمن (لم تفتتح بعد) راحت ضحية لسلسلة الهجمات المسلحة والتفجيرات التي طالت الكنائس في عام 2004 . وقد تم سرقة محتوياتها بالكامل وخلع المرمر والكاشي منها على حد قول راعي كنيسة الارمن الارثوذكس في بغداد.


بعد سقوط نظام صدام في 2003 ،ظهرت على الساحة العراقية العديد من الاحزاب التي تنوعت بين أحزاب دينية وقومية إضافة الى الوطنية، وشمل الامر المكونات الاثنية (الاقليات)، ففى الوقت الذى ظهرت فيه احزاب تمثل الاشوريين واليزيد والصابئة،نلاحظ ان الارمن لم يقدموا على شكيل اي حزب سياسي ولم يكون لهم ممثل في المرحلة الانتقالية سواء فترة مجلس الحكم (في عهد السفير بول بريمر) والمجلس الوطني والجمعية الوطنية على الرغم من ان لهم اربعة احزاب سياسية تعمل في ارمينيا


ولم يوضح السبب الاب ناريك،واكتفى بالقول "البقاء بعيدا عن السياسة افضل لنا " لكنه أضاف "نحن لنا أندية ثقافية واجتماعية ورياضية خاصة بنا وهىكافية. وهو مايميز الارمن ايضا حيث ان النوادي الخاصة بهم بقيت موجودة باسمائها الخاصة ايام لنظام السابق .


لكن المطران افاك بين "أن تاسيس حزب يحتاج الى وقت وتاريخ طويل لكي يكون موثرا" .


مؤكدا انهم يفكرون في الامر ، مفضلا أن يشارك الأرمن في الوقت الحاضر في معترك الحياة اليومية عن طريق العمل في الدوائر الرسمية"بقوله "افضل ان يمدوا يدهم للكل من اجل بناء العراق الجديد كما فعلوا سابقا ."


اما عن سبب عدم مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية الماضية من خلال مرشح خاص بهم فقد بين آفاك استحالة ذلك بسبب الحاجة الى "مواطنين يصوتون للمرشح " وهو ما أعتبره أمر صعب نظرا لقلة عددهم.


و أشار آفاك الى تحفظه على مسودة الدستور الدائم فى العراق لكونها لم تتطرق لذكر ألارمن في المادة 2 من الباب الاول،وقال"نحن راضون على ان هناك دستورا لكن يجب ان يعدل،وبعد ان تتشكل الحكومة الدائمة سنعمل على إضافة فقرات ومنها القومية الارمينة ".


وعن أوضاع الارمن اليوم يقول واغنياك واهانيان "هي نفس أوضاع المجتمع العراقي لاننا لاننفصل عنه ". ويضيف " الأسباب الامنية و الإقتصادية دفعت بالعديد من الشباب للهجرة الى الخارج لكن الكنيسة والاندية تعارض ذلك " .


وبسبب اوضاع البصرة اضطر مايقارب ال200 عائلة من ألارمن الى الهجرة منها واستقرو ا فى بغداد او خارج العراق ، لكن عدد الارمن الذين هاجروا إلى خارج العراق بعد السقوط يعتبر قليلا مقارنة باعداد المسيحيين من الطوائف الاخرى .


ويتميز الارمن بالاندية الرياضية والاجتماعية التي تلعب دورا مهما في الحياة الاجتماعية وتتشارك مع العائلة والكنيسة في بناء الاجيال الشابة .


واشهر الاندية الارمنية هي جمعية الشبيبة الارمنية ، النادي الرياضي الأرمني (هومت من عام 1918 )، الجمعية الخيرية الأرمنية , نادي الشهيد أوهان، اتحاد النساء الأرمن، وتتنوع الأنشطة مابين رياضية واجتماعية وثقافية وخيرية .


ويوضح واغنياك واهانيان (وهو قائد كشفي منذ 1963 في هومت من) ان معظم لاعبات المنتخب الوطني العراقي في السلة والطائرة هم عضوات في هومت من


ويبلغ عدد الارمن الان مايقارب الستة ملايين نسمة متوزعين في دول اوربا وامريكا ودول


الإتحاد السوفيتي السابق،وايران والعراق وسوريا ولبنان.


وينقسم الارمن الى قسمين من حيث انتمائهم الكنسي، القسم الاكبر يتبع الكنيسة الارثذوكسية ومقرهم البطريركي (المرجعية الدينية العليا ) في يرفان (عاصمة ارمينيا ) والاخر يتبع الكنيسة الكاثوليكية (البابوية ) ويقع مقرهم البطريركي في لبنان.


وعدد الارمن في العراق حاليا يتراوح مابين 20 -22 الفا يتمركزون في بغداد ، البصرة،الموصل، كركوك وزاخو (قضاء تابع لدهوك ). ويمتهنون الطب والهندسة وصياغة الذهب وتصليح السيارات ، اذ يندر ان تجد فني سيارات معروف لايكون ارمينيا


وللارمن نفس تقاليد الزواج الشائعة لدى مسيحيي العالم الا انهم ولكونهم اتباع الكنيسة الشرقية فانه لايسمح لهم بالزواج مع الاقارب (اي ابناء العمومة والاخوال ) ولا يسمح لهم بالطلاق.وعند الزواج تتخلى المرأة عن لقب عائلتها لتحمل لقب عائلة الزوج (كما هي عادة الغربيين ). ولايفضلون كثيرا الزواج من بقية الطوائف المسيحية من اجل الحفاظ على النوع ضمن المعقول كي لاتذوب مع المجتمعات الاخرى


كنيسة كريكور.. أجمل كنائس الارمن



في تلك المنطقة البعيدة عن أرض العراق حيث تسود الديانة الوثنية منطقة ارمينيا آنذاك، ولد الاحساس برفض الواقع لعدم وجود قانون سماوي يقودهم الى حياة مستقرة أمنة.. ومن نتائج هذا الرفض اعتناق القديس كريكور- الذي عدّ من اوائل القديسين- الديانة المسيحية بشكل علني، رافضاً كل العبادات الاخرى ومتوجها الى الله، فلقي من العذاب والتنكيل مالقي على يد ملكها، متمسكاً بدينه الجديد الذي ادخله أول مرة الى ارمينيا اثنان من حواري السيد المسيح "ع" وهما تداوس وبرتلماوس، وتيمناً بهذا القديس أخذت كنيسة كريكور المنورّ تسميتها نسبة اليه.


تقع الكنيسة في قلب وتحديداً منطقة الباب الشرقي، إذ تعد المكان الاكثر ازدحاماً في بغداد، قرب منطقة البتاويين التي كانت زمن بناء الكنيسة من أفضل مناطق بغداد ويتكون أغلب سكانها من الطائفة المسيحية وعدت أجمل كنائس بغداد كونها بنيت بشكل هندسي يوحي بغرابة التصميم الذي يختلف في طريقة بنائه عن بقية الكنائس.. حيث تمتاز بقباب مخروطية الشكل مع غرف عليا على شكل اكواخ.. ويتم الدخول اليها عن طريق باب حديدي ضخم يؤدي يمينه الى مقبرة خاصة بالارمن الارثودكس اما يساره فيؤدي الى الكنيسة التي تم انجازها بتاريخ 25/6/1957 بعد ان استمر بناؤها اكثر من ثلاث سنوات، وتعد الكنيسة الرئيسة للارمن الارثودكس، وتوجد اثنتان غيرها في بغداد وهما كنيسة مريم العذراء الواقعة في منطقة الميدان، وهي أقدم كنائس الارمن إذ بنيت عام 1639م زمن دولة بني عثمان بناءّ على طلب أحد القادة العسكريين والذي كان ارميني الاصل بعد ان سجلت طائفة الارمن كطائفة تدين بالمسيحية في العراق عام 1638. اما الثانية فهي كنيسة "كرابيت" الواقعة في منطقة كمب سارة.. اضافة الى كنائس اخرى موزعة على محافظات الموصل والبصرة وكركوك ودهوك.


امتازت كنيسة كريكور بطراز هندسي لم نر مثله في الكنائس الاخرى، وهي غاية في الجمال والدقة والتي اتخذت- كما سبق الحديث- اشكالاً مخروطية وأخرى هندسية تشبه الاكواخ، اما البناء الداخلي فميزته الاساسية واضحة بكثرة اقواسه والتي لم تات بشكل اعتباطي، انما جاءت لتعطي المكان قوة وتماسكاً، فضلاً على الجمالية.


وبالتأكيد فأن لهذا الشكل الهندسي جذوراً عميقة تمتد الى أرض ارمينيا، وهي ارض تزداد الزلازل فيها لهذا لجأ مهندسو ومصممو الكنائس الارمنية الى هذا الانموذج الهندسي من خرائط البناء كي تقاوم الزلازل وتقلبات الطبيعة.. وقد حافظ الارمن على هذا التصميم حتى بعد نزوحهم من مناطقهم الأصلية وانتشارهم في بقاع كثيرة من المعمورة. لهذا نجد التصميم نفسه قد تم بناؤه في مدن العالم كلها التي يوجد فيها الارمن.. لتصبح في النهاية هوية خاصة ودليلاً يميزهم عن الطوائف المسيحية الاخرى في العالم.


يقول الاب الخوري ناريك أشخانيان- وهو راعي الكنيسة-:


ينتمي الارمن الى الجنس الآري ويمتد وجودهم في أرض ارمينيا الى الالف الثالث قبل الميلاد وبمرور السنوات تجمع كثير منهم في العراق وكذلك جاءوا من ايران بعد دخول الجيش الايراني بغداد في القرن السادس عشر.. ويمتهن الارمن التجارة بشكل خاص بالاضافة الى مهن اخرى مثل الصياغة والحدادة والخياطة.


*وما هي أهم اقسام الكنيسة؟


-تتكون الكنيسة من مجموعة أقسام أهمها بالتأكيد المذبح ويأتي بعده مكان وقوف رجال الدين وآخر لوقوف الطائفة المسيحية وبالمقابل خصصنا مكاناً لوقوف الطوائف غير المسيحية.. وهذه الاماكن تمثل القاعة الكبرى للكنيسة.. وتوجد غرفة مخصصة لرجال الدين والتلاميذ وغرفة اخرى للعماد فقط.


وما هي أهم المناسبات التي تقام داخلها..؟


-تقسم أعياد الارمن الى قسمين، وهما أعياد دينية والتي نحتفل بها بشكل خاص وتبدأ بعيد الميلاد والذي يصادف 6 كانون وعيد القيامة الذي يصادف أي يوم أحد من شهر نيسان وكذلك عيد التجلي الذي يصادف يوم 7 تموز وكذلك عيد مريم العذراء الذي يصادف يوم 8 آب وأخيراً عيد الصليب الذي يوافق يوم 9 ايلول.


أما اعيادنا الوطنية وهي القسم الثاني من اعيادنا فتبدأ بعيد القديس فارتان، وعيد خاص لشهداء الارمن الذي يصادف يوم 24 نيسان وكذلك عيد استقلال ارمينيا الذي يصادف يوم 28 آيار. كذلك تحتفل الكنيسة بتمجيد الكرسي البطريكي مرتين في السنة ولايوجد تاريخ محدد للاحتفال به.


*وهل هناك شروط معينة لمن يريد الالتحاق بالكنيسة؟


-نعم فنحن حريصون على ان يكون المنتمي الى كنيستنا من أبوين أرمنيين ارثودكسيين ومعمداً لدى احدى كنائس الارمن.


*متى يقام القداس وهل ترافقه جوق التراتيل.


-يقام القداس في كنيستنا مرتين خلال الاسبوع. الاول يوم الاحد، وهو اليوم المعتاد لقيام القداس للطوائف المسيحية، والثاني يوم الجمعة صباحاً والذي بدأنا بممارسته منذ العام 1959 إذ ان يوم الجمعة عطلة رسمية للدولة العراقية مما ادى الى تفرغ كل الطوائف العراقية من مشاغلهم اليومية وبالتالي جعل المسيحيين الذين لم يستطيعوا حضور القداس يوم الاحد حضوره يوم الجمعة.


ويعد جوق التراتيل الموجد لدينا من أفضل الاجواق الموسيقية على نطاق الشرق الاوسط إذ تأسس منذ تشييد الكنيسة.. وقد اصبح عمره الآن 48 عاماً، ويقوم الجوق بترتيل صلوات القداس الالهي بثلاث مؤلفات موسيقية وهي بالتأكيد أرمنية الاصل.


وقبل أن اودع محدثي الأب ناريك قال: على رجل الدين الارمني الارثودكسي ان يكون ملماً بكل اعداد العوائل الارمنية المنتمية الى الكنيسة وله معرفة تامة بتفاصيل حياتهم.. ونحن هنا في كنيسة كريكور المنور نمتلك سجلاً خاصاً بالارمن مدون فيه كل الارمن العراقيين، وقد بدأنا العمل بهذا السجل منذ أكثر من ثلاث عقود، أي بحدود عام 1700 وأية معلومة نحتاجها نرجع الى سجلاتنا.. إذ توجد صفحة خاصة بكل عائلة مدون فيه حالات التعميد والزواج والوفاة، كذلك حالات الطلاق والزواج الثاني والمهنة وأية معلومات نراها ضرورية لهذه العائلة او تلك، وعند زواج أحد أفراد العائلة نفتح له صفحة خاصة له ولعائلته الجديدة.


وواصل الرجل حديثه قائلاً: ازداد عدد الارمن بعد هجرتهم مناطق سكناهم الاصلية وذلك لاضطهادهم من قبل الدولة العثمانية، إذ سكنوا في بداية نزوحهم للعراق مدينة الموصل وهذا ما يفسر كثرة اعدادهم فيها، وبعدها انتشروا في محافظات العراق الاخرى وقد استقبلهم الطيف العراقي بكل مكوناته بكرمه المعروف وعاشوا جنبا الى جنب.. لهذا نرى التقارب الروحي بين الحظارتين الاسلامية والمسيحية، ففي كثير من مناطق العراق نرى التجاوز واضحاً بين الجامع والكنيسة ووصل حداً لنرى التقارب عبارة عن سياج يفصل بين الجامع والكنيسة وقد انعكس التقارب بشكل واضح على نوع العلاقات بين العوائل المتجاوزة إذ نرى كلا العائلتين تشاركتا الفرح والحزن وعرفت العائلة المسلمة تقاليد المسيحية واحترمتها وبالمقابل احترمت المسيحية تقاليد المسلمين ووصلت حداً منعت فيها نفسها الافطار العلني في شهر رمضان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق